-أكبحُ صَرخةً إن خَرجت ستَقطعُ حِبَال صَوتِي.

[ إعتِذَار ]


تَوجهتُ بصُحبة أركتُوروس إلَى مَكتبِ

وَالدِي حَال عَودتنَا مِن المَدرسةِ بعَد بَعثهِ

بِرسالةٍ نصِية لِي تَطلُب مجِيء كِلينَا ..

لَا أفهمُ مَا يدُور فِي رَأسهِ لكِّن مَا حَدث

اليَوم، سَببُ ذَلك بالتأكِيد.

إستوقَفتُ سَيرِي حِينَ شعرتُ بجِذعِ أركتُوروس أَمامِي ليلتفِتَ نحوِي ثُم يُلقِي بإبتسَامةٍ صغِيرة قَبل أَن يَطرِقَ البَاب ويَدلف بهدُوءٍ جَعلنِي أتبعهُ.

وّقفتُ بجِوارهِ أُحدِّج وَالدِي حَيثُ لَفح

حَدقتيهُ هُدوءٌ مُريب جَعلنِي أُشيح ببصيرتِي

عنهُ أستمِعُ لمَا يخرُج مِنهُ : « شُكرًا لدِفاعكَ

عَن أُورِين يَا أركتُوروس .. ».

تجمَّدت أطرَافِي وإعتَلت الدَهشةُ وَجهِي فِي ذهولٍ ممَا قِيل مِن وَالدِي .. هَل قَام للتو بشُكرِ أحدهِم مِن أجلِي ؟ ذ-ذَلك مُستحِيل، بَل غَرِيب.

لِماذا قَد يفعَل ذَلك ؟ لِماذا الآَن

ودُونِ سَابِق إنذارٍ يَجعلُنِي أستعِد

لمَا قَد يخرُج مِنهُ !؟.

رَمقتُ أركتُوروس الذِّي أومَئ مُبتسمًا بصُحبةِ حُروفهِ : « لَيس عَليكَ شُكرِي يَا عَم، بَل ذَلك

مَا يجُب فِعلهُ لأنَّ أُورِين صدِيقي ! ».

ص-صَديق .. تِلكَ الكلمةُ تُكرر مُجددًا.

قَبضتُ عَلى يَدِي حِينَ قَابلهُ

وَالدِي بإبتسَامةٍ صغِيرةٍ قَبل

أَن يُخبرهُ بالرحِيل لرغبتهِ فِي

مُحادثتِي وَحدِي ..

لَستُ حابذًا للبقَاءِ مَعهُ فِي غُرفةٍ وحِيدة، حَيثُ يجتَاحُ فكرِي الكَثيرُ ويُخبرنِي بمَا قَد لَا يَحدث.

أنزلتُ بحَدقتيَّ وعلقتُهَا بالأرضِ أسمَعُ صوتَ طرقِ حِذاءهِ عَلى الأرضِ بِبطءٍ أثَار إرتبَاكًا فِي جَوفِي حتَّى أردَف يُنادِيني : « أُورين .. ».

رَفعتُ بصِيرتِي لهُ لأُغلِق ستَائرِي إستعدادًا لصَفعةٍ لَا أعلَمُ سببهَا ولكِّن .. لَم أشعُر بهَا.

بَل كَانت تربِيةٌ خَفيفةٌ عَلى رَأسِي سَكبت فِي

دَاخلِي حيرةً غُلَّفت بالصدمةِ لمَا خَرج مِنهُ فَ إجتَاحنِي شكٌّ مَا إذ كَان مَن أمَامِي هُو وَالدِي.

« أنَا أعتذِرُ حيَال وقُوفِي خِلاَف جِوارك، كَان يَجُب البقَاء بجَانبكِ حتَّى وإِن لَم تَرغب فِي ذَلك .. لكِّن وجُود أركتُوروس مَعكَ جَعلنِي أُدرِك شيئًا جَهلتهُ ».

إرتخَت معَالمِي عندمَا إرتفَعت عَلى شِفتيهِ ابتسامةٌ صغِيرة شَابهت حرُوفهُ التِّي أسمعنِي

إيَاها للتَّو.

كَ-كَيف .. مَا الذِّي يَتفوهُ بهِ الآن ؟ أ يَجتَاحهُ شعُورُ الذنبِ أَم مُجردُ كذبةٍ لتخفِيف نَدمه ؟

لَا أُصدِّق مَا يَحدُث.

شَعرتُ بقَلبِي ينقبِض حِينَ تَسلل فِي عَينيهِ دِفئٌ قَديمٌ يَشبهُ مَا قَبل رحِيل وَالدتِي لكِّنهُ سَكب فِي بَاطنِي رُعبًا أخَافنِي ..

مَاذَا لَو كَانت هَذهِ مُجردُ هلوسةٍ ووهمٍ سيختفِي ويُعِيدنِي للوَاقِع دُون سَابِق إنذَار ؟.

لكِّن .. خيُوط المَاضِي تَسللت للحَاضر حتَّى جَعلت مِن الحنِينِ لمَا مَضى يُلقِيني فِي بقاعهِ.

لِمَاذَا تغيَّر كُل شَيء بعَد رحِيل أُمِّي ؟

أ كَان حُزنًا أَم هلَاكًا كُتبَ علينَا عَيشه ؟.

فَ أنَا بِتُّ فِي حيرتِي ضَائع.

لَم أستطِع التفوهَ بكلمةٍ وبَقيتُ صَامتًا ليُقابلنِي بتردُدٍ وهدُوءٍ قَبل أَن يَنسحِبَ ويُشيرَ لِي بالذهَابِ بعَد تنهِيدةٍ خَافتة شَعرتُ بالثُّقلِ ينسّابُ مِنهَا لِي.

أومَأتُ برَأسِي وطَبعاُ أقدَامِي إلَى الخَارجِ لأتوَقف فِي بُقعتِي وأُحاوِل إدرَاك مَا سمِعتهُ مِنهُ .. رُغمَ أُمنيَاتِي فِي سمَاعِ حرُوفٍ يَتسللهَا الدِفئ بكلمَاتٍ لطِيفةٍ تَصحبُ نظَرَةَ الحُب الحنَان، إلَّا أَن حدُوثهَا أخَافنِي ودبَّ فِي جوفِي قلقًا حِيَال مَا إذ كَان مُجرد وهمًا أَم حقِيقةً لَا أستطِيعُ تصدِيقهَا.

« مَا خَطبُكَ أُورِين ؟ ».

رَفعتُ حَدقتيَّ إلَى أركتُوروس الذِّي قَطعَ

شرُودِي فِي بُقعةِ أفكَارِي لتنسَاب حرُوفِي

مِن غَيرِ قصد : « وَالدِي .. يَبدُو غريبًا ! ».

تَسللت عُقدةٌ صغِيرة وَسط حَاجبيهِ جَعلتنِي أُدركُ مَا أخرَجتهُ لَهُ فَ أردَفتُ مُتابعًا : « تَجاهل مَا قُلتهُ، سأذهَب للنَوم ».

لَم أنتظِر إجَابتهُ وتَوجهتُ نَحو غُرفتِي دُون سمَاعِ شيءٍ مِنهُ وهُو لَم يُصِّر عَلى بَقائِي وتبرِير مَا قُلته.

عُلِّقت حَدقتيَّ بالسقِف لِفترةٍ طوِيلة حتَّى

بَاتت حيَاتِي تِعرضُ عَليهِ وتُلقِيني فِي بُقاع الذكريَاتِ البَائسةِ والأمنيَاتِ التِّي لَم وَلن تتحقّق ..

كَيف لِوَالدِي أَن يعُود كمَا كَان فِي المَاضِي لدقَائقٍ رغبتُ فِي جعلِ الزمَانِ يتوَّقف حتَّى تَبقى موجودةً لِنهاية حَياتِي ؟.

كَأنهُ حُلمٌ عَابر ستُفيقنِي مِنهُ سلاسلِ الشَمسِ

عَلى كَابُوسِ الوَاقعِ حَيثُ لَا نتحدَّث أَنا وأبِي، ويرَحلُ أركتُوروس كَما لَم يكُن موجودًا مِن قَبل.

أركتُوروس .. لَن يَبقى معِي إلَى الأَبد.

لكِّننِي فَقط، أَتمنى وجُودهُ معِي دَائمًا.

لَستُ كاذبًا مَع نفسِي وإِن حَاولتُ الإنكَارَ سأعُود للحقِيقةَ مُجددًا، أننِي حَابذٌ لوجُودِ صديقٍ بقُربِي.

لكِّننِي خَائِف .. يتملَّكُنِي ذُعرِ الرحِيل والوِحدة.

حَيثُ يَرحلُ أركتُوروس، وأعُود للعُزلةِ دُون أَحد.

لَا أُريد الإعتيَادَ عَلى وجُودهِ،

لأنَّ لَا شَيء يَبقى عَلى حَالهِ.

كَما رَحلت أُمِّي، سَيكتُب الجمِيعُ وداعًا

ويُعيدُوننِي لِوحدتِي، حَيثُ أبَقى وحيدًا

فِي البؤسِ حتَّى النِهاية.

أركتُوروس .. هُو صدِيقي الأوَّل.

ورُغمَ أننَا لَم نمضِي سِوى بِضعِ أيامٍ إلَّا أننِي

حَبذتُ قُربهُ لأنَّهُ صدِيق، صدِيقٌ أُحاوِل مِن

خِلاَلهِ فِهم مَا تعنِيه هَذهِ الكَلِمة.

وَضعتُ يَديَّ عَلى خُصلَاتِ شعرِي أسحَبُهَا

ببطءٍ عِندمَا تَسللنِي شعُور الإختنَاقِ تَسببهُ

تفكِيرِي المُرهِق ..

الأمرُ مُتعبٌ للغَاية، وأَنا سَئِمتُ مِنهُ.

تَسلل صَوتُ طرقِ البَابِ لينتشِلنِي مِن قِرائتِي لكِتابٍ مَا فَ إعتدَلتُ بجلُوسِي أُلقِي بحَدقتيَّ إلَى البَابِ حِينَ دَلفَ رَأسٌ بخُصلَاتِ شعرٍ مُجعدةِ صُحبت عَلى طَالعهِ ابتسَامةٌ عرِيضة أردَف مِن خِلالهَا : « أ يُمكننِي الدخُول ؟ ».

أومَأتُ لهُ فَ جَال فكرِي حِينَ أفزعَنِي ليلًا

وواجهتهُ ببعضٍ مِن الغَضبِ لينسَاب فِي جوفِي شعُور ذنبٍ مُزعجٍ حَاولتُ مَحيهُ بكلمَاتِي : « مَا الذِّي تُريدهُ أركتُوروس ؟ ».

كَمش أنفهُ بلُطفٍ مُتذمرًا : « أ ذَلك مَا

ستقُولهُ بعَد يوَمينِ وأنتَ فِي غُرفتكَ وأنَا

وحيدٌ فِي المَدرسة ؟ يَا لكَ مِن وغِد ! ».

« لَستُ جيدًا فِي الحَديث لِذَلك قُم بعُذرِي .. ».

أجَبتهُ بخفُوتٍ أُحاوِل التفكِير بمَا قَد أُخرجهُ مِن ثغرِي ليُقابلنِي بضربةٍ خفِيفةٍ على رَأسُِي مُسترسلًا

: « أنَا أمزحُ مَعك .. لَا تَأخُذ الأمر بجِدية ».

هِي مِزحةٌ إذًا، ذَلك جَيد.

« عَلى أيِّ حَال، غدًا هُو اليَومُ الأخِيرِ لغيَابكَ مِن المَدرسة صحِيح ؟ إذًا، سأُخبرُكَ بمَا فكرتُ بهِ ».

أردَفَ يُبعُد أقدَامِي مِن السرِير ويتخِّذ مكانهُ عَليهِ ويُتابع : « سأتغيَّب أنَا أيضًا ! ».

عدَّلتُ جَلستِي وعقدتُ حَاجبيَّ بإستغرَابٍ أُحاوِل إستفسَار مَا قِيل : « هَل تمتَلِكُ عُذرًا لِذلك ؟ ».

رَفع أكتَافهُ بضجرٍ وَاضحٍ وأردَف

: « لَستُ كَذلك لكِّننِي فَقط أُريدُ

الذهَاب لمدِينةِ الألعَاب معكَ

غدًا ! ».

م-مَدينةُ الألعَاب .. ومَعِي ؟ ذَلك، لطِيف.

لكِّننِي فَقط، لَا زِلتُ فِي بُقعةِ تفكِيري ذَاتهَا.

فَ انسَابت حرُوفِي الضَّائعةَ تَسألهُ

: « أركتُوروس، لِمَاذَا تَفعلُ ذَلك ؟ ».

طَالعنِي بإستغرَابٍ يسَألُني : « أفعَلُ

مَاذا ؟ ».

كَبحتُ تنهِيدتِي التِّي رغِبتُ فِي إلقَائهَا لأُشيحَ ببصِيرتِي عَنهُ وأردِف : « لَا تَجعلنِي أعتَاد عَلى وجُودك مَعِي .. ».

طَالَ صَمتهُ وَجعلنِي أسترِقُ نظرةً نَحوهُ فَ

وجدتُه يعقِدُ حَاجبيهُ بحيرةٍ جَعلتنِي أُتَابعُ حَديِثي بمَا زَار فكرِي : « لَا أُريدُ الإعتيَادَ عَلى وجُودكَ مَعي، فَ أنتَ أيضًا سَترحل .. ».

« أ تعِيشُ حيَاتكَ بِناءً عَلى الغَدِ ومَا سَيحدُث فِيه ؟ ذَلك سَيجعلُكَ تُضيعُ حَاضركَ أُورين ! ».

لَفتتنِي حرُوفهُ التِّي جَابهتنِي بتذمُرٍ هَادئ، دحرجةُ حَدقتيَّ لهُ فَ قَابلنِي بتهازُؤ مُزيف : « أنَا لَن أرحَل وأعِدُكَ بأننِي باقٍ وإِن لَم أكُن فَ قَلبُكَ مكانِي ».

غمَز بتلَاعُبٍ جَعلَ مِن ضحكتِي تخرُج.

هذَا الَفتى .. غرِيبُ أطوارٍ حتمًا.

« تمتَلكُ ضحكةً جَيدة، لَيست جَمِيلة لكِّنهَا

جيدة نَوعًا مَا .. لتَضحك دَائمًا يَا صَاح ! ».

شَعرتُ بِيدهِ تضرُبنِي مُجددًا عَلى كتفِي بينمَا كلمَاتهُ الغرِيبةُ تَسللت سَمعِي تجعلُنِي مُتيقنًا

مِن غرَابةِ أركتُوروس.

يمتَلكُ طرِيقةَ تعبيرٍ مُختلِفة وغَير إعتيَادِية.

« مَا الذِّي تَقرأهُ ؟ ».

إنتشَلَ الكِتَاب مِن يَدِي يلفتُنِي لهُ فَ وجدتُه يُقلِّبُ صَفحاتهُ حتَّى إستوقَفَ عَلى مَا وَضعتُ عَليهِ بعضَ العلَاماتِ لمُلَامستهِ قَلبِي.

« أَ سَيحضُرُ أحدٌ جَنازتِي ؟ أَم ستَنثِرُ رِيَاحُ الشِتَاء تُرَابِ البُؤسِ فَوق قَبرِي ؟ ».

قَرأَ مَا كُتبَ بَينَ السُطورِ بصَوتهِ لترتفِعَ حَدقتيهُ نَحوِي بعُقدةٍ صغِيرة تَسللت بَينَ حَاجبيهِ مُتابعًا : « لَم أفهَم مَا يعنِيه بهَذهِ الكلِمَات .. ».

« الوِحدة .. ».

تَمتمتُ بخفُوتٍ أُشيح بحَدقتيَّ عَنهُ

ليُجابهنِي بسؤَالهِ الذِّي لُفحَ بصوتٍ

هَادئ : « أَ تشعُر بالوِحدةِ أُورِين ؟ ».

إرتجَفت يَدِي بخفةٍ عندمَا خَرجت مِنهُ

الحقِيقة الموجُودة فِي حيَاتِي فَ أردَفتُ

دُون كَذبةٍ أو تغييِّر للحَدِيث : « أَنا وحيدٌ بالفِعل .. ».

« أنتَ لَست وحِيد، أَنا هُنَا .. ».

« أنتَ لَن تَفهمَ أركتُوروس .. ».

قَاطعتهُ ببعضٍ مِن الإنفعَالِ الطفِيف الذِّي

سُرعَانَ مَا تلَاشى وإنخفَضت وَتيرةُ صوتِي

حتَّى تَلبسنِي ندمٌ مِزعج.

« حتَّى وإِن كُنتَ كذَلك، أنتَ

تمتلِكُ ذَاتك .. فَ مَا الخَطأُ فِي

البَقاءِ وحيدًا ؟ ».

« حِينَ تَكرهُ نَفسكَ ستمقُتُ بَقائكَ مَع ذَاتكَ أُورِين .. ».

إعتَلت شِفتيَّ ابتسَامةٌ بَاهتة لتُقابلنِي حَدقتيهُ وملَامحهُ المُرتخِية، أردَف فِي حِيرةٍ تَسللت عَلى طَالعهِ بخفَاء : « لِمَاذَا لَا تُحاوِل حبَّ نَفسكَ أُورِين ؟ ».

كَيفَ لِي أَن أحبُذ ذَاتِي فِي حِينِ أننِي لَا أشعُر بالذنبِ دُون سَببٍ وَاضح وكَأننِي .. لَا أستحِّقُ ذَلك.

« جِد طريقًا يَجعلُكَ تُحبُ نَفسكَ ! ».

جَابهنِي ليجتَاحنِي حديثٌ سَاخِر، أيُّ طريقٍ سَيجعلنِي أُحب نَفسِي ؟ قَد يكُون معدومًا ولا

وجُود لَهُ الآن.

« إِن الإنسَانَ مَن يَصنع طرِيقَهُ مِن أجلِ

نَفسه، فَ لَا يُمكنُ لأحدَ توجِيهكَ لهُ لأنَّ

البِداية تكُون مِنكَ أنت .. ».

م-مَاذَا .. مَا الذِّي يعنِيه بِذلك ؟ كَيف للمَرءِ أَن يختلِقَ البِدايةَ وهُو يجِدُ مِن نَفسهِ نكرةً لَا تستحِّقُ ذَلك ؟.

« سَأشرَح لكَ مَا أعنِيه بحَدِيثي فَ نَظرتُكَ تُوحِي لِي أنكَّ لَا تَفهمُ مَا أعنِيه ! ».

لَفتنِي بضحكَتهِ وكلمَاتهِ التِّي جَعلتنِي أسَألُ ذَاتِي، هَل مَلامحِي تُظهرُ ذَلك حقًا ؟ سُحقًا، هذَا غرِيب.

« لَا بَأسَ إِن كَتبتَ خَطأً، فَ أنتَ إنسَانٌ

ولَستَ معصومًا مِن ذَلك، لَا ضررَ مِن الإستسلَامِ والسقُوط، لتَكُن إسترَاحةً قصِيرة دُون بَقائكَ عَلى هَذا الحَال دائمًا، لَا ضُعفَ فِي البُكَاء فَ المشَاعرُ المكتُومةُ تتغلَّبُ عَليكَ وتُخبركَ أنكَّ صَمدت لفترةٍ طوِيلة وحَان وقتُ البَوح .. كُل شَيء سَيتغيَّر للأفَضل ويُصبحُ بِخير، فَقط كُن صبورًا، فَ الصبرُ يَا أُورين يتَبعهُ نَجاةٌ بسَلاسِل التعوِيض ! ».

حدَّجتهُ يَسرِدُ مَا فِي جُعبتهِ فِي كلمَاتٍ لفحهَا رذاذُ الدِفئ والطمَأنِينةٍ فوَجدتهُ مُتابعًا مَا يَقُوله بِشبحِ ابتسَامةٍ لَم يترُك محيَاه : « كمَا تشرُد فِي أفكَاركَ الحَالِكة، دَع مِن كلمَاتٍ غَيرِ مَألوفةٍ بالتمرُّد لكَ حتَّى تُدركَ حقِيقتهَا، أعلَمُ جيدًا أَن حَديثي سخفٌ مِن دُون جَدوى لكِّن مَا أُريدُ إيصَالهُ لَك يَا أُورِين .. أنكَ تستطِيعُ فعلهَا، رُغمَ عقبَاتٍ تُلقِينَا فِي الفشَلِ مُنذُ البِداية إلَّا أنَّها تصنعُنَا وتُعلمنَا شيئًا فريدًا لَا يُمكنُ وجودهُ فِي حيَاتنَا إِن كَان طريقنَا سهلًا ! ».

وَجدتُ مِن الصمتِ يتلبَّسُ ثغرِي فَ الكلمَاتُ

التِّي خَرجت مِنهُ لَم تكُن مألوفةً لشخصٍ يُرددُ السَّيء لنَفسهِ دَائمًا، بِتِّ فَاقدًا للتعبِير والحَدِيث ..

أَن يكُون هُنَاك شخصٌ وَاحد،

يُخبرنِي بنقِيض مَا يتحدَّثُ بهِ

فكرِي معِي .. ذَلك غَيرُ مألُوفٍ

لِي.

أمِّي .. يَبدُو أنَّ ابنَكِ قَد

حَصلَ عَلى صدِيقٍ جَيد.

كَبحتُ تردُدِي، وتَركتُ مِن حرُوفِي المُبعثرةِ تخرُجُ بصدقٍ دُونَ سببٍ وَاضح : « إِنَّ أحَادِيثكَ طمَأنينةٌ لَقلبٍ يرتجِف وعَقلٌ تَائهٌ فِي الفَوضى، ورُوحٌ مُتعبة أبَتِ الثبَاتُ حتَّى سمِعت مَا قِيل .. ».

« وتُخبرنِي أنكَّ لَا تُجيد الحَديث ! يَا لسخَافةِ كذبَاتكَ أُورين ! ».

قَابلنِي بإبتسَامةَ وَاسعةٍ جمِيلة تَسللهَا ضحكَاتهُ وقَد رُدد شَيءٌ وَاحدٌ فِي فكرِي، لِيكُن أركتُوروس سعيدًا دَائمًا.