[ عَامٌ قَد مَضى عَلى رحِيلِكَ يا صَدِيقي ]

مَسحتُ بِخفةٍ عَلى تُرابٍ جَلستُ بجِوارهِ مُنذُ سَاعاتٍ قلِيلةٍ لتخرُجَ حرُوفِي بعَد حديثٍ طوِيل كَان عَن مَا لَم يَراهُ بعَد رحِيله : « إفتَقدتُكَ أركتُورُوس .. ».

رَفعتُ ابتسَامةً تَسللهَا بعضُ الضِيقِ لأُحاوِل

مَحيهُ بإنسيَابِ حرُوفِي عبرَ ثغرِي : « لَستُ مُعتادًا عَلى رحِيلكَ حتَّى الآن .. طَيفُكَ لَا زَال يَظهُر بينَ الحِينِ والآخر فِي وَاقعِي وحُلمِي لكِّنني لَا زِلتُ أُقاومُ

مِن أجلِكَ أركتُورُوس ».

ازدردتُ رِيقِي أُزيحُ غصةً لَفحت عُنقِي كَ عادةٍ

لَم تَترُكِنِي مُنذ وَداعِي لهُ : « بَعَد رَحيلكَ جمعتُ شِتاتَ تِلكَ الكسُورُ بيدَينِ ترتجِف فَ بِتُ ضائعًا لَا أعرِفُ طريقًا لوُجهتِي، لَقد فَقدتُكَ وأضحيتُ وحيدًا مُجددًا .. ».

ألقَيتُ ضحكةً خَافتةً أمسَحُ طرَفَ أهدَابِي حِينَ تَسللت مِياهُ مَدمعِي لأردِف وأنَا أُحدِّج السِوارِ الذِّي

لَا زَال يُقيِّد مِعصمِي : « لكِّنَ صوتَك لَا زَال يُردد فِي سَمعِي .. أركتُورُوس لَا زَال موجودًا فِي قَلبِي ».

قَبضتُ عَلى السِوارِ بيدِي الأُخرى لأُطلَقَ

تنهيدةً عمِيقة تُحاوِل رمِي مَا فِي جوفِي مِن

ثقلٍ بَاتَ بَقاءهُ فِي خَافقِي مُعتادًا لِي فَ ارتَفعت حَدقتيَّ صَوب السمَاء حِينَ شعرتُ بقطرَاتٍ بَاردة تنسَالُ بهدُوءٍ عَلى وجهِي لتنسدِلَ أجفَانِي تستشعِرُ مَطرًا بَات ينهمِرُ بهُدوءٍ جَعلنِي اتسآل ..

أ تبكِي السمَاءُ فُقدانًا لأركتُورُوس أَم تِلكَ دموعُ رُوحِي التِّي تُقاوِم نزِيفَ فؤدهَا وتُحاوِل الصمُود ؟.

لكِّن جَال فكرِي أنذَاك

كلمَاتُ أركتُورُوس .. المَطرُ

يَغسِلُ رُوحك، لَا تختبِئ مِنهُ.

تَسللت يَدِي تَضعُ كفهَا عَلى قَلبِي لتخرُج

حرُوفِي تُكرر حديثًا قَالهُ لِي : « لَا زَال موجودًا فِي قَلبِي .. حتَّى لَو كَان الرحِيل بُقعتهُ، هُو لَا زَال معِي ».

تنهِيدةٌ خَافِتة انسَابت مِن جوفِي حَال دُلوفِي

إلَى المَنزلِ فَ وجدتُ مِن الهدُوء ينسكِب فِي أرجَاءهِ كَ العَادةِ مُنذُ رحِيل الجمِيع وبقَائِي وحيدًا ..

علَّقتُ سُترتِي المُبللة بالغَدقِ لأنفِضَهُ عَن شعرِي بغَيرِ إكترَاثٍ قَبل أَن أطبَع خُطواتِي إلَى الدَّاخِل.

طَرقتُ أقدَامِي صَوب غُرفتِي قَبل أَن يستوقِفنِي قَلبِي أمَام بَاب غُرفةِ أركتُورُوس الذِّي لَم أدخلهُ مُنذُ يومِ رحيلهِ.

كَانت مرةً وحِيدة دُون غَيرهَا.

إرتفَعت يَدِي بتَردُدٍ نَحو المَقبضِ رغبةً فِي رؤيةِ مَا تركهُ خلفهُ مِن بعثرةٍ لَم يلتقطهَا وَالديهُ حَال دَفنِ ابنهُمَا تحتَ التُرَاب ..

مَحيتُ فكرِي وعُدتُ بخُطواتِي أُنفِي مَا أُريدهُ لكِّن وَجدتُ مِن خَافقِي يردعُنِي عَن ذَلك ويَجعلُنِي أقفُ مُجددًا أمَام البَابِ ثُمَّ بيدِي تُقيِّد المُقبض.

ازدرَدتُ رِيقِي قَبل أَن أفتَحهُ وتلتِقط عَينيَّ

فوضَاهُ التِّي لَم يلمَسهَا أحَد فَ ارتفعَت ابتسَامةٌ بَاهتة عَلى شِفتيَّ قَبل أَن أرسُم خُطواتِي المُترددة إلَى بُقعةٍ تَشبهُ رفِيقًا رَحل وَلم يعُد لهُ وجُود.

دَحرجتُ حَدقتيَّ فِي الأرجَاءِ لتنسَاب

أصوَاتهُ الصَّاخِبةَ لِي تعكِسُ لِي طيفهُ

الذِّي لَا زَال يَلحقُنِي ..

وَجدتُ مِن بصِيرتِي تلتقِطُ كتابًا عَلى الطَّاوِلة

فَ رَسمتُ خُطواتِي البطِيئةِ نَحوهُ قَبل أَن تتسَلل عُقدةٌ صغِيرة بينَ حَاجبيَّ عندمَا لمَحت عنوانًا كُتبَ وسَطَ النجُوم ..

« مُذكرَاتُ أركتُورُوس ».

تَمتمَتُ بخفُوتٍ وأنَا أرمُقهُ لتتمرَّد أنَاملِي تلمِسُ أطرَافهُ قَبل أَن ألتقِطهُ وأُردَا مَا يُخبرنِي عَقلِي بهِ عَن تركهِ والخرُوج مِن بُقعتهِ.

تَرددتُ فِي فَتحهِ لكِّنني وَجدتُنِي أُقلِّبُ

صفحَاتهُ وأجدُ العَدِيد مِن الحرُوفِ التِّي

إلتقطتهَا عَينيَّ ..

تنهيدةٌ خَافتة خَرجت مِن ثَغرِي قَبل أَن أُغلقهُ وأحمِلهُ معِي إلَى الخَارج فَقد كَانت رغبتِي فِي

قِراءةِ مَا طَبعهُ حبرُ يدهِ الهزِيل هِي طرِيقي

الأوَّلُ والوحِيد.

حَيثُ قِصةٌ تحمِلُ عنوَانَ مُذكرَاتِ أركتُورُوس،

تَسللهَا كلمَاتٌ وأحَاديثٌ لَم تخرُج مِنهُ يومًا لِي، فَ كَان كلامًا مخفيًا .. وُجدَ فِي جوفِ كِتابهِ الذِّي سَلبتهُ وأضَاعنِي فِي بَاطنهِ.

[ تَمت ]