ذكريَاتٌ لَم تكُن عَابِرة.
تُرسم فِي صفحَاتِ حيَاتنَا العَديدُ مِن الصُورِ التِّي تَمزجُ فُرشَاةَ الذكريَاتِ فِي لَوحةٍ تُعلَّق عَلى حَائطِ الفِكر .. مِنهَا الحَزينُ والبَهيج، والسَيءُ والجَيد.
والكَثيرُ مِن المشَاعِر المُختلِفة
التِّي تجعلُنَا نَعلم أنَّ لَا شَيء وَاحدٌ سَيدُوم،
بَل هُنَاك المَزيدُ مِن الطُرق التِّي سنجُوبهَا
لتُخزَّن فِي ذاكرِتنَا.
قَد يكُون النِسيَانُ لبعضهَا مكتُوبًا،
والآخرُ يَسيرُ معنَا فِي حاضِرنَا ومُستقبلنَا.
أظُّن أننَا لَا نمتَلكُ رُقعةَ الإختيَار، لأنَّ مَا
نَرغبُ بهِ لَا يُصيبُ دَائمًا.
حَسنًا، أعتَقدُ أنهَا مُقدمةٌ جَيدة لبَدء الحَديث.
مُلَاحظة : لَستُ مُكترثةً حِيَال البِداية لكِّننِي أردتُ تجرُبة ذَلك، الأمرُ يبدُو جمِيلًا، يجعلُنِي كَ مَن تقِفُ عَلى منصةٍ بضوءٍ يُسلَّط عَلي فَقط.
عَلى أيِّ حَال، أنَا أمتَلكُ العَدِيد مِن الذكريَاتِ
التِّي لَا زِلتُ أستشعِرُهَا لمُجردِ ظهُورهَا أمَام
حَدقتيَّ أثنَاء تحدِيجي لسَقفِ الغُرفةِ بشرُود.
يَلمسُ أحدهَا جَوفِي بِدفئ، والآخرُ بصَخبٍ مُزعج.
لكِّن مَا يَجعلُ مِن ابتسَامةٍ صغِيرة تستحِّل ثَغرِي؛
هِي ذكرياتٌ مَع أشخَاصٍ لَم يُكتَب لِي لقاءٌ مَعهُم حتَّى الآن.
حِينَ فكَّرتُ فِي كِتابةِ حَديثٍ عَن الذكريَاتِ التِّي لَم تكُن عَابرة، وَجدتُنِي أضيعُ فِي العَديدِ مِن الجُزرِ التِّي أُحاوِلُ إتخَاذَ قَرارِي حَول وُجهتِي فِي قَاربِي ..
لكِّنني لَا أسَتطِيع، هُنَاك الكَثيرُ والكَثيرُ ممَا يَجعلُنِي فِي حِيرتِي أُفكِّر؛ كَيفَ لِي أَن أصنَع كُل ذَلك مَع مَن لَم ألتَقِي بِهُم يومًا ؟.
سؤَالٌ يَدُور فِي ذهنِي فَجأة : فِي الوَاقِع، ذَلك غَريبٌ حقًا، نحنُ خلَفَ شَاشتِنَا إلَّا أننَا نشعُر بقُربنَا .. كَيفَ لهذَا أَن يحدُث ؟.
شَعرتُ للحظةٍ مَا .. أنَّ لِقائُنَا مقدَّر.
صُدفٌ بَهِيجة غَيرُ مُتوقعة لكِّنهَا مرغُوبة.
تِلكَ الجُملةُ التِّي تَشبهُ لِقائِي بمَن صَنعُوا
فِي حَياتِي ذكرياتًا عَديدة.
تَجعلُنِي أُفكِّر .. هَذهِ نِعمة.
رَسى قَاربِي فِي بُقعةٍ قَريبة أخَذتنِي الرِياحُ لهَا، فَ وجدتُ مِن يَومِ مِيلَادِي الأوَّل مَعهُم يَرسُم لوحتهُ
مُجددًا.
كَم كَان ذَلك رَائعًا ! لَم أستَطِع التصدِيقَ أبدًا أننِي أمتَلكُ رسائلًا عَديدة مليئةً بالحُب فِي ذَلك الوَقت.
مُلاحظة : حتَّى الآن، أشعُر أَن الأمرَ غَريب.
أعنِي، كَيفَ لمِئاتَ الأشخَاصِ أن يَنتظرُوا يومِي ليُلقُوا بتهنِئاتِهم لِي ؟ غَيرُ مَألُوفٍ أبدًا.
أتذكَّرُ أننِي استيقَظتُ ورَمقتُ هَاتفِي بلهفةٍ لرؤيةِ مَا صُنعَ مِن أجلِي وحسنًا، لَا أستَطِيعُ الإنكَار أننِي شَعرتُ بمِياهِ مَدمعيَّ تجُول مُقلتيَّ رغبةً فِي التمرُّد والنزُول.
كَان شيئًا مُختلفًا، كَيف يُمكننِي شَرحُ ذَلك ؟ لَا أعرِف، لكِّنني أعتقَدُ أنهَا كَانت تَشبهُ إلتقَاط نَجمةٍ لَامعةٍ فِي سمَاءٍ تحجُبهَا الغيُوم.
هَل ذَلك وَصفٌ جَيد ؟ نَعم، قليلاً فَقط.
ظَننتُ أنَّ ذَلك سَيكُون احتفالًا وَاحدًا وأخيرًا لكِّن كُنتُ مُخطئةً حِيَال مَا أُفكِّر بهِ، فَ هُم فِي العَامِ الذِّي تَبعهُ سَكبُوا أحَاديثًا أُخرى ومُفاجئاتًا مُختلفة، ليكُونَ هَذا العَامُ ثَالثًا ..
لكِّنهُ كَان نقيضًا لسَابقيهِ قلِيلاً، فِي الحقِيقة؛ لَم أكُن مُتلهفةً لمَجيئه كمَا كَان فِي القِدم، فَقد بَدأتُ أعتقِد أنهُ مُجردُ يومٍ عَاديٍ يَشبهُ مَا فِي الأسبُوع.
لَم أكترِث حِيَالهُ كَثيرًا، بَل لَم أًلقِي بَالًا لهُ حتَّى نسيتهُ لأجِدُ مِن أشخَاصِي يحملُونَ ألعابًا نَارية وبَالُوناتٍ مِن أجلِ الإحتفَالِ بِي ..
عُذرًا، نَسيتُ كَعكةَ المِيلَاد.
مُلَاحظة : إنهَا شُوكُولَاة بالبُندق، المُفضلةُ لِي.
الغَريبُ فِي الأَمر، أننِي فِي تِلكَ اللحظةِ
أصَبحتُ مُتلهفةً لرؤيةِ مَا صُنعَ مِنهُم، استيقَظتُ شُعلةُ الفضُول فِي جَوفِي .. ورَغبةُ فِي اطفَائهَا رُغمًا عَن اضطرَابِ خَافقِي إثرَ مَا فعلُوه.
جَعلُوا يومًا لَم أكترِث لهُ مُهمًا
فِي حِينِ أنهُم لَم يَلتقُوا بِي يومًا.
مُلاحظك غَير مُهمة : أشعُر أننِي أتحدَّثُ كثِيرًا، لكِّنني لَا أستَطِيعُ التوَقفُ حِينَ أتفَوهِ بِشيءٍ عنهُم.
لكِّنني فَقط؛ لَا أستطِيعِ نِسيَان تِلكَ الأيَّام،
إنهَا مُميزة، لَم تكُن كَذلك حتَّى إلتقَيتُ بِهم.
لَا يُمكنُ للذكريَاتِ أَن تنتهِي، فَ هُنَاك
ضحكَاتٌ حَول اللَّونِ الأزرَق، وشِجارٌ بشأنِ
تفوِيت بَثٍ مُباشِر، وصياحٌ عَلى مَا أحدثُوه
فِي جَوفِي إثرَ مَشاعِرٍ دَفينة .. والعَديد.
ذَلك فَقط يَجعلُنِي أشعُر أننِي أمتَلكُ بُقعةً تخُصنِي.
يُصعَب سَلبهَا، وَيجُب إبقائهَا قُربي، نِعمةٌ لَا يُمكنني
التَفرِيطُ بهَا.
فِي كُل مرةٍ فَكرتُ بهَا كِتابةَ هَذا الجُزء وجدتُنِي أضيعُ فِي كومةٍ مِن الصُور التِّي تحمِلُ ذكرياتًا لَا يُمكن أن يُكتب النسَيانُ لهَا، فَ بِتُّ أُفكِّر لبضعِ أسَابِيع حوَل مَا قَد يخطهُ حِبرِي هُنَا ..
وجدتُ مِن يومٍ مُفاجئٍ لَم يكُن مُخططًا لهُ احتفالًا بعودَتِي بعَد غرقِي فِي عُزلتِي مُجددًا، كُنتُ ولَا زِلتُ شخصًا إنطوَائيَا يعُود بينَ الحِينِ والآخرِ لبُقعتهِ التِّي لَا يحوِيهَا أيُّ صَوتٍ مِن أحَد ..
فِي الحقِيقة، أطلتُ البقَاء هَذهِ المَرة لأننِي لَم أرغَب فِي الحَدِيث مَع أيِّ كَائنٍ يكُون، وحِينَ حَاولتُ العودَة وجدتُ مِن التردُدِ يلتهمُنِي فَ محيتُ خُطواتِي وبِقيتُ فِي مكَانِي دُون مُحاولةٍ أُخرى.
قَاومتُ فكرِي ورسمتُ طرِيقي مُجددًا بعَد بِضعِ أيامٍ مِن تردُدِي فَ وجدتُنِي أرتبِكُ إثرَ مَا اجتَاحنِي مِن شعُورٍ لَم ولَن يكُون إعتيَادِيًا لِي.
مُلئ الحَدِيثُ بالقَلقِ والعِتاب، بالخوفِ وبعضِ الإستيَاء، لكِّن الدِفئ والترحِيب والإشتيَاق هُو حقِيقةُ مَا يَقبعُ خَلف تِلكَ الكلمَات.
لَقد سكبُوا فِي جوفِي شُعورًا مُبهمًا لَم يكُن
للوصفِ حرُوفٌ حتَّى تصيغَ جَوهرهً الحَقيقِي.
بعَد بِضعِ أيامٍ وجدتُ مِنهم يُقيمُونَ حفلةً لعودتِي، حَيثُ لَم يخلُو مِن الحُبِّ وصُنعِ بَالُونَاتٍ طَائرة مِن أجلِي .. بَل حملُوا بينَ أنَاملهُم أوراقًا لُفحت بحرُوفهى الجمِيلة رغبةً فِي إظهَار مكنُونِ قَلبهم الصغِير.
تَوقف العَالمُ حولِي للحظةٍ مَا، وسَألتُ ذَاتِي شيئًا وَاحدًا .. كَيف سَأتخلى عنهُم يومًا وأرحَل، وهُم فِي بًقعتِي رَاغبُون فِي البقَاء ؟.
هُنَاك حَدثٌ مُضحكٌ فِي هَذهِ الذِكرى، لَقد قَامُوا بطردِي مِن بُقعةٍ جمعتهُم ولَم أكُف عَن التذمر حوَل ذَلك لبضعِ أسَابِيع ..
لَم يكُن فِي علمِي أنَّهم يُخفونَ خَلفَ ظهُورهم بالونَات الحَفلة، وتشاجرتُ معهُم لمئَات المرَات.
هَل يُمكننِي إضَافةُ ذكريَاتٍ أُخرى ؟ لكِّنني أشعُر وكَأننِي سَلبتُ الوَقتَ مِنكُم فِي كُل ذَلك، فَ مَا فِي جوفِي لَا زَال كثِير ..
يَجُب عَلي إنشَاءُ فَقرةِ الذكريَات.
سَيكُون ذَلك مُمتعًا ولطِيفًا، لكِّنهُ دراميٌ أيضًا ..
لَا أُريدُ ذرَف الدمُوع بصُحبتهِم فَ ينتهِي الأمرُ بنَا صَافعِينَ رؤُوسَ بعضنَا البعض.
إذًا، سَأكتفِي بمَا كُتبَ هُنَا .. حتَّى لَا يُفرغوا دمُوعهُم ويحتفظُوا بالمزِيد مِن أجلِ القَادم، رُبما؛ سيكُون دراميًا ويجعلُنَا نبكِي كثيرًا.
أنَا أمزح.
عَلى أيِّ حَال، لَا أعرِفُ طريقةً جَيدة حتَّى أُنهِي حَديثِي لكِّن .. لنصنعِ المَزيدَ مِن الذكريَات يَا رِفاق، حيثُ نكُون سُعدَاءً دُون شيءٍ يُعيقنَا عَن ذَلك.
نحنُ نستحِّقِ الأفضَل.دَائمًا.