-كُنتَ السَّعَادةَ لشخصٍ بَائِس.
[ مَطرٌ بَارد ]
رَفعتُ حَدقتيَّ الذَّابِلة بإرهَاقٍ صَوبَ السمَاءِ
التِّي تَسللَها خيُوطُ اللَّيِل فِي رغبةٍ لإقتحَامِ مكانَ الشمسِ الذِّي بَات يكتُب غرُوبهُ وموعِد رحِيلهِ
لَيعتلِي الظَلامُ بُقاعَهُ المرسُومَة ويَنثُر مِن نجُومهِ الوَاهِنة فِي الأرجَاء ..
جَال فكرِي أثنَاء رؤيتِي لِذَلك؛ أركتُوروس.
ذَلك الصبِيُ الذِّي كَان دخِيلًا فِي حيَاتِي.
إقتحمَ عُزلتِي التِّي أُحِيطُ بهَا نَفسِي حتَّى بَاتت الوِحدةُ عنوانًا لِي فَ كَان ضوءً خافتًا فِي ظُلمةِ الحُزن.
لَم يكُن للصدَاقةِ قَانونُ الوَقت، بَل
موقفًا يُثبتُ أنَّ مَن يُجاورُكَ رفيقٌ لَك.
أركتُورُوس .. هُو الصدِيقُ الأوَّلُ لِي.
ومِن دُونهِ سأعُود وحيدًا مَع ذَاتِي.
« أ لَن تُعقِّم جِراحك ؟ ».
فَصلنِي مِن غيَابِي فِي جوفِ فكرِي لأرمُقهُ يسيرُ نحوِي بعَد جلُوسِي عَلى مقعدٍ فَارغٍ للراحةِ بَعدَ سيرٍ طوِيلٍ وأنَا أستنِدُ عَليهِ ..
لَقد تَأذيتُ بطرِيقةٍ سَيئةٍ ووَاضحة هَذهِ المَرة.
« سَيمضِي وَقتُهَا وتَرحل ».
نَطقتُ بخفُوتٍ أُحاوِلُ إخفَاءِ شُعورِي بالألمِ حَال حركتِي أو حَدِيثي إثَرَ الكدمَاتِ والجِراح التِّي لَفحت كَاملِي.
« يَا للسُخرِية، أَ تِلكَ طرِيقتُكَ فِي التعَامُل مَع جِراحك ؟ ».
لَم أفهَم مَا إذ كَان يُشيرُ لجوفِي أَم لخَارجِي لكِّننِي أجَبتهُ وأنَا أُشيحُ بعَينيَّ بعيدًا عَنهُ حَال جلُوسِهِ فِي المِقعد.
« لستُ مُكترثًا بهَا فَ لِمَا يَجُب
أَن أتعَامل معهَا ؟ ذَلك سخِيف ».
« أنتَ السخِيفُ هُنَا يَا أُورِين .. ».
جَابهنِي بتهَازؤٍ لتلتفِتَ عَينيَّ لهُ وتَلمحَ مَا
صُنع فِي وجههٍ مِن كدمةٍ خلَّفت بجَانبهَا جُرحًا تَسللهُ بعضُ الدِماء الجَّافةِ فَ إلتَقطتُ حَدقتيهُ التِّي تمردَّ فِي جوفهِمَا سُخريةٌ أثنَاء حَديثه : « أَ ستُهقِّم لِي جِراحِي كمَا حَاولتَ حِمايتِي سابقًا ؟ ».
« خدمةٌ وَاحدة تكفِي، لَا تكُن طماعًا ! ».
أجبتهُ بضحكةٍ مُتهكِّمةٍ أُدحرجُ عَينيَّ ليُلقِي هُو بقهقهَاتهِ وهُو يردِف : « أنتَ صدِيقٌ جَيد لكِّنكَ وغدٌ أيضًا ».
أنتَ صديقٌ جَيد .. تِلكَ الكَلمة، أنَا ؟.
« عقِّم جِراحكَ أنتَ أيضًا حتَّى لَا تُخلِّف
ندبةً تُعيدُكَ لمَا حَدث ».
نَطقَ يُلقِي لِحُجرِي كيسًا فِي جوفهِ مرهمٌ
وبعضُ الضمَّادَاتِ ولصِاقِ الجرُوحِ الصغِيرة
فَ وجدتُنِي أسخَرُ مِنه : « أنتَ أيضًا صديقٌ
جَيدٌ أركتُوروس ».
لَم تكُن سُخريةً حقِيقية، بَل مُجرد نبرةِ صوتٍ حمَلت كلماتًا واقعيةً تدُل عَلى مَا يحوِيه جوفِي
نَحو صدِيقي الأوَّل .. والوحِيد.
« مَا الذِّي سَنفعلهُ الآن ؟ ».
نَطَق يَلفِتُ إنتبَاهِي فَ عَقدتُ حَاجبيَّ
أسَألهُ فِي حيرة : « مَا الذِّي تعنِيه ؟ ».
« وَالدُك، سيسألُ عَن حَالنا بالتأكِّيد، ولَن
تنَفع كَذبةُ سقُوطنَا أو إرتطَامُنَا بِشيءٍ مَا ».
ألقَانِي فِي لحظةٍ إدرَاكٍ تنَاسيتُهَا لأقضِم وَجنتِي داخليًا بأسنَانِي وأنَا أُحاوِل التفكِير فِي شيءٍ قَد يكُون مُناسبًا ..
لكِّنني أيضًا قَلق، قَلقٌ حِيَال مَا
سَيخرُج مِنهُ إِن عَلمَ بمَا حَدث.
« مِن السخِيف أَن نكذِبَ بالسقُوطِ مِن
الدَرج، أَو الإرتطَام بسيَّارةٍ مَا .. ».
نَطقتُ أُفسِّر الكَذبة التِّي قَالهَا بطرِيقةٍ جَعلتنِي أسخَر مِنهَا لأنهَا حتمًا لَيست نَافعةً وغرِيبة.
« لِذَلك أَنا أَسألُكَ الآن، مَا الذِّي سَنفعلهُ ؟ ».
أردَف أركتُوروس بتَذمُرٍ طفِيفٍ فَ وجدتُنِي أفُصح : « لنُخبرهُ بالحقِيقة .. لَا فَائدة مِن كذبةٍ ستُصبح سِلسلةٍ لَا تنتهِي مِن الأحَادِيث الفَارغة والغَبية ».
« أظُّن أَن ذَلك صحِيحٌ نوعًا مَا لكِّن .. ».
رَمقتهُ ينطِقُ ببعضٍ مِن التَردُدِ قَبل أَن يُتابع
: « هَل نُبلِّغ الشُرطةَ بمَا حَدث ؟ ».
« لَا فَائِدة مِن ذَلك إِن لَم نملِك دليلًا ..
بإستثنَاء مَا صنعُوه بنَا ».
أشَرتُ بتهَازؤٍ نَحو وَجُهِي ووجههٍ ليُنفِي برَأسهِ ويردِف : « لَيس كَذلك أُورين، أَنَا أمتلِكُ واحدًا بالفِعل ! ».
لَحظتهُ بإستغرَابٍ ليُخرِج هَاتفهُ المحمُول مِن جيبهِ ثُمَّ يُظهر لِي شَاشتهُ التِّي تَسلل فِي جوفهَا فِيديُو مُصور .. لأرُون وهُو يَضرِبُنِي.
« م-متَى .. ».
تمتمتُ بخفُوتٍ أشهدُ بعينيَّ نَفسِي وهِي تُقاوِم بضُعفٍ لحمَايةِ ذَاتهَا عن ضربَاتٍ تلقيتُهَا بَعد أَن بَات الاستسلَامُ لهَا طرِيقًا لِي.
« حِينَ أخبرتنِي بتِلكَ التُراهَاتِ الفَارغة وجدتُنِي أُفكِّر بهَا كَ شَفرةٍ لتفكِيكهَا وَعلمتُ أنذَاك أنكَ تُريدُ دفعِي عَن البُقعةِ التِّي ستُضرَب فِيهَا .. ».
رَفعتُ عَينيَّ لأركتُورس الذِّي تحدَث بكلمَاتٍ جَعلت مِن مَلامحُي ترتخِي حِينَ تَابع : « سيكُون سخيفًا إِن رَحلتُ إثرَ حرُوفكَ الكَاذبة لِذَلك وجدتُ مِن خُطواتِي تَلحقُ بكَ وتُصوِّر مَا حَدث .. ثُمَّ حَاولتُ مُساعدتك، وحسنًا .. تَعلمُ مَا حَصل بعَد ذَلك ».
أنهَى حرُوفهُ بضحكةٍ جَعلت مِن عَينيهِ
تضِيقُ قليلًا فَ شَعرتُ بحَدقتيَّ تُشاحُ عَنهُ بينمَا احسَاسُ الذنبِ حِيَال مَا قُلتهُ بَات ينهِشُ جوفِي الهزِيل.
لَقد نَطقتُ بأحَاديثٍ سيئة، وأنَا أعلمُ
جيدًا أَنها تَبقى نُدوبًا لَا تُمحى .. خوفِي حَول
مَا سَيُصيبهُ بسببِي لَيس عُذرًا يَجُب أَن يُقَال،
لأننِي أيضًا قُمتُ بأذيتهِ لفظًا وذَلك مؤلمٌ
ضِعَف الخدُوشِ والجراحِ الظَّاهِرة.
سُحقًا لِي ..
« أنَا أسِفٌ أركتُورًوس .. ».
أردَفتُ بخفُوتٍ وأنَا أُعلِّقُ حَدقتيَّ فِي مَا
يَقبعُ أمَامِي مِن فراغٍ لَم تَلحظ عَينيَّ مَا تحوِيه ليُقاطعنِي بتهَازؤٍ مُزيفٍ تَسللهُ تَذمرهُ الذِّي جَعل مِنِّي ألتَفتُ لهُ مُجددًا : « يَا للسُخريةِ أُورين، أ تعتذِرُ فِي حِينِ أَنكَ حَاولتَ حِمايتِي يَا صَاح ؟ ».
شَعرتُ بيدهِ تتموَضعُ عَلى كَتفِي بخفةٍ دُون أَن يؤذِي مَا خَلفهُ الكدمَاتُ مِن ألَم طفِيف هُنَاك.
« نَحنُ أصدقَاءٌ أُورِين، لَا حَاجةَ للإعتذَار ! ».
قَابلنِي بإبتسَامةٍ عرِيضة لتنعكِس عَلى شِفتيَّ شَبحُهَا الذِّي بَان قليلًا.
أركتُورُوس .. الصدِيقُ الذِّي لَا
أُريدُ فُقدانهُ لأنهُ أعزُ مَا أمتَلك.
…
كَبحتُ أنفَاسِي التِّي يَلفحُها تنهيدةٌ عمِيقة
فِي جوفهَا ثقلٌ أبَى الرحِيل ..
إستَندتُ عَلى الحَائطِ أثنَاء إحَاطةِ أركتُورُوس لجِذعِي بذرَاعهِ حتَّى أتمكَّن مِن السَّير بعَد أَن وجدتُ إصَابةً وَاضحة فِي كَاحلِ تجعلُنِي أجِدُ
صُعوبةً فِي المَشِي.
« يُمكننِي السيِّرُ بمُفردِي .. ».
أردَفتُ بخفُوتٍ أوجه حرُوفِي لأركتُورُوس الذِّي جَابهنِي بإيمَاءةٍ طفِيفةٍ قَبل أَن يُبعد ذراعهُ عنِّي ويَتقدَّم مَعِي إلَى الدَّاخِل بخُطواتٍ بطِيئة مِن
أجلِي.
« مَ-مَا الذِّي أصَابكُمَا ؟ ».
إرتفعَت بصِيرتِي إلَى وَالدِي الذِّي وَقف مِن
بُقعةِ جلُوسهِ ليُخرجَ مُقلتيهُ وقَد ظَهر عليهُمَا نتُوءٌ وجحُوظٌ سكَب فِي جوفِي إرتبَاكًا للطرِيقةِ التِّي مِن المُمكنُ الإفصَاحُ بهَا عَن حقِيقةِ مَا حَدث.
« لَا شَيء يُذكَر .. ».
خَرجت تِلكَ الكلِمةُ مِن ثغرِي دُون شعُوري
كَ عادةٍ بَاتت ترسُم طرِيقهَا لِي فِي كُل مرةٍ
يدُور بيننَا حَديثٌ مَا.
لكِّنهُ جَابهنِي بإستيَاءٍ مُردفًا : « أنتَ مُشوهٌ بالكدمَاتِ والجِراحِ وتُخبرنِي أنهُ لَا شَيء قَد يُذكر ؟ أيُّ سخفٍ يَدور فِي رَأسكَ أُورين ! ».
لَم يكُن سؤالًا، بَل عتابًا وَاضحًا تَسللهُ .. القلِيلُ مِن القَلقِ الذِّي نَسيتُ وجُودهُ فِي مَن يُدعى بأبِي.
« سأشرَحُ لكَ يَا عَم .. ».
أردَفَ أركتُورُوس يَفصِلُ حَدقتيَّ وَالدِي عنِّي
ليُبصرهُ بعُقدةٍ صغِيرة تَسلل حَاجبيهُ حِينَ
تَابع الآخر : « تِلكَ البَطةُ الوغِدة .. أَعنِي، إنهُ
نِيُو، ذَلك اسمهُ صحِيح ؟ ».
إلتَفتَ لِي فَ أومَأتُ لهُ ليُجابهنَا
وَالدِي بحيرةٍ نَاطقًا : « مَا الذِّي تعنِيه بأنهُ نِيُو ؟ مِن المُستحِيلِ أَن يُحدِثُ كُل هَذا لكِليكُمَا ! ».
لَم يكُن إنكَارهُ غريبًا لأننِي وحدِي قُمتُ
بضربهِ جيدًا عَلى وجههِ حتَّى فَقد وعيهُ.
« لَم يكُن وَحدهُ، بَل بَدى أنهُ قَام بالدَّفِع
لرجالٍ غُرباءٍ حتَّى يَفتعلُوا ذَلك بِي .. ».
أردَفتُ بجمُودٍ رُغمًا عَن إهتزازٍ طفِيف تَسلل
فِي جوفِي إثرَ بصيرتهُ التِّي ترمُقنِي بقلقٍ لَم يكُن
لِي رغبةٌ بهِ.
يُخِيفنِي الإعتيَادُ وحبذهُ ليعُودَ قاسيًا فِي الغَد.
« أُفكِّر بتبلِيغ الشُرطةِ حِيَال مَا حَدث، لَقد قُمتُ بتصوِيرِ فيديُو لمَا إفتعلُوه .. يُمكننا إستخدَامهُ كَ دليل ! ».
أردَف أركتُورُوس مُخرجًا هَاتفهُ المحمُول ليُعطيهِ إلَى وَالدِي الذِّي عُلِّقت حَدقتيهُ فِي مَا يقبعُ دَاخِل الشَّاشةِ لترتخِي معَالمِي أثنَاء رؤيتِي لهُ.
لَقد وَجدتُ مِن يَدهِ ترتجِف، ومِن
عَينيهُ التِّي لفحُهمَا قلقٌ وسَخطٌ وهُو يُبصرُ
ابنهُ الهزِيل وهُو يُضرَب بقُوةٍ حتَّى بَات فِي
حَالٍ سيئة ..
« دعُو الأمرَ لِي .. ».
ثلَاثُ كلمَاتٍ خَرجت مِنهُ وهُو لَا زَال يُحدِّقُ
بشَاشةِ الهَاتفِ المحمُولِ لأشعُرَ لأركتُورُوس وهُو يرمُقنِي أثنَاء تحدِيجي لـ أبِي مَع حروفٍ تَسللهَا الهدُوء الذِّي يُناقِضُ صخِيب جوفِي : « حسنًا ».
لَم أُجادِل، أَو أحاوِل الإستفسَار لمَا تعنِيه كلمَاتهُ، بَل وَافقتُ لمَا قِيل .. وسَحبتُ ذَاتِي مِن أجلِ الرَاحةِ دَاخِل غُرفتِي العَاتمة.
حَيثُ يَسكُن البؤسُ والوِحدة،
ويعِيشُ أُورِين فِي بُقاعِ العُزلة.
…
إلتَفتُ بحَدقتيَّ الدَّاكِنة إلَى النَّافِذة
التِّي يَنسدِلُ عليهَا ستَائرٌ سوَداءٍ تَسلل
مِن وسطهَا مَا يَقبعُ فِي الخَارج.
وجدتُ مِن قطرَاتِ المَطرِ
تتمرَّدُ بهدُوءٍ عَلى زُجاجهَا
ليزُورَ فكرِي مَا حَدث قَبل
أسبوعٍ مِن الآن ..
حَيثُ كَان لوَالدِي رغبةٌ فِي بقائِي فِي المنزِل حتَّى أتعَافى جيدًا ليكُونَ أركتُورُوس رفِيقي فِي ذَلك مَع عُذرٍ رَسمهُ حَول الحَالةِ الصحِية لكلينَا.
لكِّنني لَم أخرُج كثيرًا .. بَل كُنتُ باقٍ فِي
الغُرفةِ أُجادِلُ ذَاتِي حَول رغبتِي فِي النَومِ
والبقَاء واعيًا لأُحارِبَ أفكَارِي التِّي لَا تكُف
عَن حَديثهَا الغرِيب لِي.
لَا .. لَيس غريبًا، بَل شيئًا نَسيتهُ أيضًا
حَال إقتحَامِ أركتُورُوس لحَياتِي البَائِسة.
لِذَلك وَجدتُنِي أُحاوِل الجلُوسَ مَعهُ
بجَانبِ وَالدِي أثنَاء تنَاوُل الطعَام، والسَيرِ
فِي الممرَاتِ الهَادئة ..
فَقد كَان هُو أيضًا يُحاوِل إتخَاذ الراحةَ
مكانًا لهُ حتَّى تُشفى جِراحهُ التِّي أُصيب
بهَا رُغمًا عَن مُحاولتِي فِي حِمايتهِ.
« أُورين !! ».
قُطعَت أفكَارِي مِن غرقِي فِي جوفهَا حَال إقتحَامِ الدخِيل المُحبب لِي فِي عُزلتِي فَ وجدتُنِي ألتَفتُ لهُ دُونَ الإستقَامةِ مِن سرِيري.
« يَا للكَسل، قِف الآن ولنَخرُج ! ».
تَسلله عُقدةٌ صغِيرة وَسط حَاجبيَّ لأرمُقهُ بتعجُّبٍ جَعلهُ يتقدَّم نحوِي وهُو يتحدَّث : « سنخرُج الآن سوَاءً أعجبكَ ذَلك أَم لَا .. أُورين ! لمَا الكَسلُ يَا صَاح ؟ لتعتدِل بوقُوفكَ يَا أنت .. ».
لَم أفهَم مَا الذِّي يعنِيه بالخرُوجِ لكِّنني فَقط حَاولتُ الإستقَامةَ أثنَاء موافقتِي لتذمُراتهِ التِّي بَدت طُفوليةً لِي : « حسنًا حسنًا .. ».
وَقفتُ ليَسيرَ قَبلِي نَحو الخَارج فَ لَحقتُه ببطءٍ بعدَ أَن حَركتُ كَاحلِي تأكُدًا إذ كَان مَا أصابهُ قَد تَلاشى .. وحسنًا، تمكَّنتُ مِن السيرِ نوعًا مَا.
لِماذَا هَذا الَفتى سريعٌ بطرِيقةٍ وَقحة ؟
يَجُب عَليهِ مُراعاةُ صدِيقه البَائسِ الذِّي
يَشبهُ السُلحفَاة.
سُحقًا .. بَدأتُ بالسُخريةِ مِن ذَاتِي الآن.
زَفرتُ أنفَاسِي بخفُوتٍ وأنَا أخرُج مِن
المَنزلِ خَلفهُ بعَد أَن تَرك البَاب مفتوحًا
مِن أجلِي فَ وقفتُ عَلى العَتبةِ الموجُودةِ
فِي الخَارج ..
إلتَقطَت حَدقتيَّ أركتُورُوس
الذِّي كَان يقِفُ تحتَ المَطرِ
ويَرمُقنِي بإبتسَامةٍ وَاسعة
مُردفًا : « تعَال هُنَا ! ».
رَفعتُ عَلى مَعالمِي بعضَ الضجَرِ وعَدم
الرَّغبةِ للإبتلَالِ بمَا يخرُج مِن السمَاء فَ وجدتهُ يركُض صَوبِي ويَنتشِلُنِي مِن ثَباتِي عِبرَ إمسَاكهِ بمعصمِي وَسحبِي خَلفهُ دُون إكترَاثٍ لأيِّ شَيء.
« أُورين .. المَطرُ سَيغسِل رُوحك، لَا تختبِئ مِنه ! ».
نَطقَ يترُكنِي تحتَ غَدقٍ إنهمَر عَلى جِذعِي كاملًا.
لتنسَاب البعثرةُ فِي جوفِي عندمَا تَسللت كلمَاتهُ تُلقِيني فِي بُقاعٍ مُختلفة : « إيَّاكَ أَن تمحِي فُرصةَ وجُودكَ مَع المَطر .. فَ هُو أفضَلُ مَا فِي هذَا العَالمِ البَائِس ! ».
وَجدتُ مِن عَينيَّ ترتفِعُ إلَى السمَاءِ لتَنسدِلَ أجفَانِي بهدُوءٍ بينمَا المَطرُ بَات ينسَابُ عَلى وَجهِي ..
لَم أُجرِّب فِعلَ ذَلك يومًا وَقذ كَان البقَاءُ
تحتَ سقفٍ يصدُّه عنِّي خِيارًا مُعتادًا لِي.
لكِّننِي الآن أسفَلَ المَطر، حَيثُ يَلفحُنِي بطرِيقةٍ لَمست جَوفِي وجعلتنِي أتمنَى بقَائِي مَعهُ لأنَّ فِي قطرَاتهِ مَا يُفِيقُ الشعُورَ بالطمَأنِينة ..
المَطر، سَيغسِلُ رُوحِي.