-مجِيئُكَ كَان حضُورًا بصُحبةِ الطمَأنِينة.
[ رَابطٌ جَدِيد ]
لَم أستَطِع التفوُّه بحَرفٍ أو مُحاولةِ الإستفسَارِ حِيَال مَا قَالهُ للتَّوُ .. فَ هُو أمسَكَ بيدِي وسحبنِي خَلفهُ بوجهٍ تَسللهُ إرتبَاكٌ وَاضحٌ أضاعنِي مُجددًا فِي الحِيرة.
« مَا الذِّي يَحدُث أركتُورُوس ؟! ».
نَطقتُ بعِنادٍ أُفلتُ يَدهُ عَنِّي وأدفعهُ عَن رغبتهِ فِي جعلِي أهرُب مَعهُ دُون أيِّ توضيحٍ لمَا يخرُج مِنهُ.
فَ مِن مَاذَا نهرُب ؟ عَن أي سخفٍ
يدُور فكرُ هذَا الفَتى الغرِيب الذِّي
أتَى مِن الرِيف وإقتحمَ وحدَتِي ؟.
إلتَفتَ نحوِي ليرمُقنِي بيأسٍ قَبل أَن يَدفعنِي مَعهُ إلَى دَاخِل لُعبةٍ لَحظتُ اسمهَا قَبلَ دلُوفنَا إليهَا؛ بَيتُ الرعُب.
وَجدتُه يَسحبُنِي خَلفهُ ليجتَاحنِي إستيَاءٌ إثرَ
ذَلك لكِّننِي لَم أُوقفهُ بَل تركتهُ هُو يستوقِفُ سَيرهُ فِي بُقعةٍ مُظلمة تَسللهَا ضوءٌ خَافِت كَان يَشبهُ مَا يُوضعُ فِي بيتِ الرُعب ..
« لَم أُخبركَ بِذلك لأننِي قَلقتُ حِيَال مَا إذ كُنتَ ستُحمِّلُ نَفسكَ ضيقًا إثرَهُ لكِّننِي سَأفعلُ الآن ».
عَقدتُ حَاجبيَّ ببعضٍ مِن الحِيرةِ لأُطَالعهُ وهُو يردِفُ بإحبَاطٍ وَاضح : « حِينَ تغيَّبت مِن المَدرسةِ كَان فِي الخَارجُ ثلَاثُ رجالٍ يحملُونَ صُورتكَ وَيسألُونَ عَنك مَا إذ كَان أحدهُم عَلى معرفةٍ بكَ أَو مَا شَابه .. ».
م-مَاذَا ؟ مَا الذِّي يعنِيه بِذلك ؟ مَن يَسألُ
عنِّي ويمتَلكُ صورةً لِي ؟ وَ-وَلِماذا ؟ مَا الذِّي يَحدُث ؟.
« لَقد قَاموا بِسؤَالِي أنَا أيضًا لكِّننِي ..
لَم أقُم بالإجَابةِ بَل ألقَيتُ بكَذِبةٍ حِيَال
الأمر ! ».
« لَستُ أفهَم، لِماذا ؟ ».
نَطقتُ بحِيرةٍ وَاضحةٍ ليرمُقَ خَلفِي وهُو يُشيرُ لرجُلٍ تنكَّر بثِيَابِ الرُعبِ بالصَّمتِ فَ إجتاحتنِي ضحكةٌ سَاخرة دَفنتُهَا فِي جوفِي لأنهَا لَم تكُن مُناسبةً للحَاضر.
« أخبرتُهم أننِي لَا أعرِفُكَ لكِّن البَارحة كَان معهُم تِلكَ البَطة الوغِدة ولَستُ مُتأكدًا كَيفَ عرَف حِيَال ذَلك، أقصِدُ أننِي صَدِيقكَ وحسنًا .. تَشاجرتُ معهُ قليلًا ! ».
م-مهلًا .. مَا الذِّي يتفوهُ بهِ أركتُوروس الآن !
مّا الذِّي يعنِيه بأنهُ تشَاجر مَع ذَلك الوقح ؟
ك-كَيف ..
هَل رؤيتهُ لأركتُورُوس معِي قَبل خرُوجِي مِن
المَدرسةِ جَعلهُ يعلَم بأنهُ يمتَلكُ مَا يجمعُنَا ؟
سُحقًا، لِذَلك لَم تكُن لِي رغبةً فِي جعلُ هَذا
الصبِي يُجاورنِي فِي المَدرسة.
« لَقد تَحدَّث عنكَ بطرِيقةٍ سَيئةٍ أمَامِي حتَّى إستدرَجنِي بالحَدِيث ووجدتُنِي أتشَاجرُ معهُ رُغمًا عَن تقييِّد أولَئكَ الرِجالِ لِي .. ».
م-مَاذَا .. هَل تشَاجرَ مَع نِيُو مِن أجلِي ؟ لكِّن لِماذا يُورط نَفسهُ فِي مَا لَا شَأنَ لهُ مِن أجلِ صديقٍ يعرِفهُ مُنذ فترةٍ قصِيرة ! ذَلك، غرِيب، وسَيء نوعًا مَا لأننِي .. لَستُ مُعتادًا عَليه.
« حِينَ رَأيناهُ قَبل قلِيل ظَننتُ أنَّ وجُودهُ
هُنَا مُجردُ صُدفةٍ لكِّن أُنظر .. إنهُ تطبيقٌ تَمَّ تثبِيتهُ البَارحةَ فِي هَاتفِي، وجهلتُ ذَلك حتَّى تَذكرتُ أننِي حَاولتُ إلتقَاطهُ مِن الأرضِ بعَد رحِيلهم ».
رَفعَ هَاتفهُ المحمُولَ أمَامَ وجهِي لتَظهر شَاشتهُ التِّي أُصيبَت بالخِداشَ والكسُور، بَان مِن خَلفهم تطبِيقُ التَّتبُعِ لأقطِبَ حَاجبيَّ ببعضٍ مِن الحيرةِ وأردِف : « كَيف لَك أن تكُونَ مُتأكدًا أنهُم هُنَا مِن أجلِي مُلاحقتنَا .. ».
« لأنهُم حَال إلتقَاطِهم لعينيَّ ووجُودِي
بَاشرُوا بالسَّيرِ نحوِي .. ».
قَاطعنِي بإرتبَاكٍ وَاضحٍ فَ وجدتُنِي أُجابههُ بتهَازؤٍ : « هَذا سخفٌ أركتُوروس، لَسنَا فِي لعبةِ أطفالٍ حتَّى يركضُوا خَلفنَا ! ».
تِلكَ هِي الحقِيقة، قَد يكُون وجُود نِيُو
مُجرد صُدفةٍ .. غرِيبةٍ نوعًا مَا لكِّن لِمَاذَا قَد يُحاوِل تتبُعِي بهَذهِ الطرِيقة السخِيفة ؟ وأُشير بِذَلك لمَا إفتَعلهُ مَع أركتُوروس .. إِن كَان حَديثهُ واقعيًا لَا خيالٌ يَصيغهُ ذهنهُ.
« الإشَارةُ موجُودةٌ هُنَا .. ».
تجمَّدتُ فِي مكَانِي عندمَا سمِعتُ صوتَ
نِيُو الذِّي قَابلهُ كلماتٌ أُخرى سَكبت فِي جوفِي قلقًا حِيَال صحةِ مَا خَرج مِن أركتُوروس : « لنجِدهُ قَبل أَن يُصبحَ المكَانُ مُزدحمًا ونلفِت الإنتبَاه ! ».
هَل مَا قِيل مِن قِبَل مَن أمَامِي حقيقيًا ؟ سُحقًا.
« لنَخرُج مِن هنَا ! ».
نَطقتُ ولَم أنتظِر إجَابةً مِنهُ ثُمَّ إلتَقطتُ يَدهُ مِن وَسطِ ضيَاعهِ الذِّي كَان إرتبَاكهُ سببًا فِي مَا أصَابهُ.
سَحبتهُ خَلفِي دُون إكترَاثٍ لشبكَاتِ
العنكبُوتِ التِّي تلفحُنَا ثُمَّ الأصوَاتُ المُخيفة التِّي كَانت مُجردَ ضجيجًا مُزعجًا لِي حتَّى لَمحت عَينيَّ ضَوءَ بَابِ الخرُوجِ فَ طبعتُ طرِيقِي لهُ.
تَسللَت خُيوطِ الشَمسِ لنَا حَال خرُوجنَا مِن بُقعةٍ مِظلمةٍ دُعيت ببيتِ الرُعبِ فَ أطلَقتُ تنهيدتِي بعُمقٍ بينمَا فكرِي لَا زَال مُبعثرًا فِي بحثٍ عَن حلٍ لمَا يَحدُث مِن سخفٍ صَاحبهُ شبِيهُ البَط الغِبي.
« أنَا أسِفٌ أُورِين .. ».
تَسلَل صوتُهُ يُفِيقنِي مِن غيَابِي عَن الوَاقع
لأُطَالعهُ بإستغرَابٍ عندمَا رَمقنِي بذنبٍ وَاضحٍ جعلنِي أردِفُ بإستنكَار : « لَم تَفعل شيئًا حَتَّى تعتذِر بشَأنهِ يَا أركتُورُوس ! ».
« لكننِي السَببُ فِي وجُودهِم الآن هُنَا، لَو أننِي لَم أتشَاجر مَعهُم وأغفِل عَن مُحاولَاتهِ فِي تتبُعِي ومَا شَابه .. ».
« لَست مُلامًا إِن كُنت غافِلًا حِيَال مَا يحصُل
يَا أركتُورُوس، إضَافةً لِذَلك .. لَا تَقلَق، أنَا أمتَلِكُ قبضةً جَيدة نوعًا مَا ! ».
قَاطعتهُ بتهَازؤٍ أرفَعُ قَبضةَ يدِي فِي مُحاولةٍ لتغييرِ التعبِير الذِّي يحمِله عَلى طَالعهُ فَ وجدتُ مِن ضحكتهِ الخَافتة تنسَابُ لتجعلنِي ابتسِمُ بخفوتٍ لَم يَدُم حَال إنسيَاب صوتِ البَطةِ مِن خَلفنَا.
« ذَلكَ الوغِد، إنهُ هُنَاك ! ».
ألَا يكترِثُ إِن كَان مَا يفعلهُ مُلفتًا للإنتبَاهِ أَم يظُّن أَن مكَانتهُ ستُخرجهُ مِن أيِّ مُشكلةٍ يفتعِلهَا معِي ؟ ذَلك حتمًا سخِيف.
« لنَنجُوا بحيَاتنَا أُورِين ! ».
نَطقَ أركتُورُوس بإرتبَاكٍ لأثبَتَ فِي بُقعتِي وأُلقِي حروفِي بتهَازؤٍ حِيَال مَا قَاله : « لنَرى مَا يُريده .. ».
وَجدتُه يقترِبُ مِنِّي وبِصُحبتهِ أولَئكَ الرِجالُ الذِّينَ لَم ألَتفِت لَهُم وبَقيتُ أُطَالعُ نيُو بغَيرِ إكترَاث.
أحَدُ الرِجال كَان قصيرًا بمعَالمٍ تَرمُقنُي ببغضٍ بينمَا مَن يُجاورهُ بَدى جامدًا لَا يكترِثُ لمَا يحدُث، وأخيرًا مَن يسيرُ جَانبَ نِيُو ..
« لِمَاذَا تهرُب ؟ هَل أنتَ خَائِف ؟ ».
جَابهنِي بسُخريةٍ يقِفُ أمَامِي فَ رَفعتُ
كِتفيَّ بتَمَلُلٍ أُجيب : « لِمَاذَا أخَافُكَ يَا بَطة ؟ لستُ مُكترثًا بوجُودكَ لكِّن .. هَل تُلاحقنِي يَا مهوُوس ؟ ».
كَمشتُ أنفِي بخِفةٍ قَبلَ أَن أُحدِّجهُ وأنَا أحشُر يَدِي فِي جَيبِ بِنطالِي حِينَ شعرتُ بالإرتجَافِ يكتسِحُهَا لأننِي قَلق .. قَلقٌ مِن القَادم.
أنَا أعِيشُ فِي الهدُوء لكِّن الصَخب بَات صديقًا لِي.
« مهوُوس ؟ ».
نَطقَ بسخطٍ رُغمَ مُحاولَاتهِ فِي إخفَاءِ غَيضهِ
حِيَال مَا يخرُج مِنِّي : « لِمَا لَا ؟ تركُض خَلفِي وتَبحثُ عنِّي .. ».
أوضَحتُ لهُ عِلمِي بأنهُ
يُلاحقنِي رُغمَ جُهلِي حِيَال
ذَلك لكِّن النقِيض فِي حدِيثي
كَانَ طرِيقي.
لأنَّ كلمَاتِي تخرُجًا جبرًا لَا رغبةً مِنِّي.
لَم تكُن لِي إرَادةٌ فِي الظهُورِ بطرِيقةٍ
ضعِيفة .. وإِن كَان ذَلك مَا يُمثلنِي.
« تَوقف ! ».
جَابهنِي بصُراخٍ مُرتفعٍ يَلفتُ بصِيرةَ مَن
حولنَا إلينَا فَ وجدتُنِي أرمِقُ الرجَال الموجُودِينَ معهُ بتهكُّمٍ رُغمًا عَن خوفٍ جَعلنِي مُترددًا قليلًا : « هَل أنتُم أتبَاعهُ ؟ ذَلك مُثير للشفَقة .. ».
شَعرتُ بالقَصيرِ يلتقِطُ سُترتِي بأنَاملهِ ويقبِض عليهَا جاعلًا مِن حرُوفِي تتَلاشى عندمَا سحبنِي قُربهُ وطَالعنِي بإستهزَاءٍ مُردفًا : « هَل جرَّبت أَن يُقطَع لِسانك حتَّى تفقِد قُدرتكَ عَلى الكلَام ؟ ».
س-سُحقًا .. لَيتَ الإنصيَاع للتردُد طرِيقي.
« توَقفَا عَن مُضايقتهِ، وَالدِي رجُل شُرطةٍ
وَلن يَترُككَ وحدكَ إِن علِمَ بمَا تفعلُونهُ مِن
سخفٍ يَا هَذا ! ».
ذُهلتُ حِينَ وَجدتُ مِن أركتُورُوس
يُمسكُ بمعصَمِ الرجُلِ دُون تردُدٍ وينطِقُ
بحرُوفهِ بجمُودٍ لَا يَشبهُ مَا يرسُمه عادةً مِن ضحكَاتٍ وسَذجٍ غرِيب.
لَا، لَا يجُب أَن يتَورط معِي أكثَر مِن الآن، ذَلك قَد يؤذِيه وأكُونُ المُتسبب فِي مَا يُصيبه، لستُ راغبًا فِي حدُوث شيءٍ لهُ ..
يَكفِي أنهُ تَشاجرَ مَع هَذا الوغِد سابقًا، مَا الذِّي يَجب أَن أفعلهُ حتَّى يُصبح خَارج هَذا السخف ؟.
« هِيه نِيُو، لَقَد أخبرتنَا أننَا لَن نَقع فِي ورطةٍ إِن فَعلنَا مَا أخبرتنَا بهِ ! ».
أردَفَ الرجُل مُلتفتًا إلَى الأشقرِ بسخطٍ أثَار قَلقِي عندمَا جَابههُ الآخرُ بتهَازؤ : « أ تخَافُ الشُرطة ؟ ذَلك أمرٌ غَيرُ مُتوقعٌ مِنك يَا بِيلِين ! ».
« يَا للسُخرِية، هَل تَظُّن أننِي أخَافُ الشُرطة ؟ ».
نَطقَ الرجُل الذِّي دعَاهُ نِيُو ب بِيلِين، فَ وجدتهُ يَرُمقنِي بحَدقتيهُ قَبل أَن يَبدأ فِي سَحبِي خَلفهُ عَن طرِيق إمسَاكِ سُترتِي لترتفِع قَبضتِي وتَدفعُ يَدهُ عنِّي بجمُودٍ يَشبهُنِي.
قَابلنِي بإبتسَامةٍ صفرَاء جَعلتهُ يبدُوا كَ المعتُوهِ.
« أ دَفع لكُم ؟ سأدَفعُ الضِعفَ لترحلُوا ! ».
نَطقتُ ألتَفِتُ إلَى الرجُل الذِّي يُجاورُ نِيُو فَ رَمقنِي بتهَازؤٍ تَسللهُ برودٌ قَبل أَن يُجيبنِي : « لَستُ مُكترثًا حِيَال نُقودكَ يَا طِفلَ الثَّانوِية .. لتُحضرهُ معنَا بِيلِين ! ».
سُ-سُحقًا، هَذا سَيء، مَا الذِّي يَجُب فِعلهُ الآن.
شَعرتُ بيدهِ تَدفعُنِي وتُجبرنِي عَلى السَيرِ مَع
بِيلين الذِّي عَاد للإمسَاكِ بِي فَ وجدتُنِي أنصَاعُ للسَيرِ معهُمَا بينمَا فكرِي يبحثُ عن مخرجٍ مِن هَذا السَّخف.
« هَل نُحضرُ الطِّفلَ الآخر ؟ ».
تنَاسيتُ وجُودَ أركتُوروس لكِّن حرُوفَ الرجُل الآخرِ جَعلنِي ألتَفِتُ لهُ وأندِفعُ بسُخرية فِي كلمَاتِي دُونَ سَابِق تفكِير : « سيكُون مصدرًا للإزعَاج .. ».
« لكِّنهُ صدِيقُكَ يَا أُورين ! ».
جَابهنِي نِيُو بتهكُّمٍ مُتقدمًا نحوِي
فَ دَحرجتُ عَينيَّ بسُخرِية : « هَل قَال ذَلك ؟
يَا للسُخرِية، لَا عَلاقةِ لِي بهِ فَ هُو مُجردُ عبئٍ مُجبرٌ عَلى البقَاءِ معهُ .. إضَافةً لِذَلك، أنَا مَن حطَّم وَجهك يَا سخِيف أَم أنكَ تخَافُ مُواجهتِي وحدِي ؟ ».
حدَّجتُ نِيُو بتهَازؤٍ ورَغبةً فِي جعلهِ ينصَاعُ
لمَا أقُولهُ فَ قَابلنِي بناءً عَلى إرَادتِي مُوجهًا حرُوفه للرجُل الذِّي يُجاورهُ : « لَستُ مكترثًا حيَالهُ فَ أنَا لَا أعرِفهُ لكِّن هذَا الوغِد .. ».
رَفعتُ ابتسَامةً جَانبِية عَلى ثغرِي ليُقابلنِي
بسخطٍ وَاضح جَعل مِن بِيلِين يَدفعنِي بقوةٍ
معهُم فَ وجدتُنِي أسيرُ بعَد سرِقةِ نَظرةً إلَى أركتُورُوس ..
حَيثُ كَان مُتجمدًا فِي مكَانهُ ويُطالعنِي بملَامحٍ تَسللهَا إرتخَاءٌ جَعلنِي أمقِتُ ذَاتِي.
تِلكَ الكلمَاتُ التِّي
نَطقتُ بهَا كَانت
سَيئة، للغَاية.
لكِّننِي لَستُ راغبًا فِي
جعلهِ يَتَأذى بِسببِي.
لكِّن .. خَسرتُ صدِيقي الأوَّل.
…
« لتضرِبهُ حتَّى تُحطِّم لهُ عِظَام جُمجمتهِ ! ».
أغلَقتُ عَينيَّ بألمٍ لَم يترُك وَجهِي إثرَ صفعَاتٍ قوِية سَببهَا لِي الرجُل الموجُودُ أمَامِي فَ وَجدتُنِي هَادئًا لَا أُقاوِم لأننِي أنتظِرُ نِهايةَ مَا يَفعلُونه معِي ..
كَأننِي أستقبِلُ الألَم لإعتيَادِي عَليه.
لكِّنني نَسيتهُ حِينَ أتَى أركتُورُوس .. بَل حَاولتُ مِن أجلِ البقَاء مَع صدِيقِي الذِّي ألقَيتُ بحرُوفِي عَلى سمعهِ لحمَايتهِ مِن أيِّ شيءٍ قَد يُصيبهُ بصُحبتِي.
ذَلك عِقابُكَ أُورِين، أنتِ تستحِّقُ ذَلك.
حَميتُ وجهِي بذرَاعيَّ عندمَا شَعرتُ
بركلةٍ كَانت مُوجهةً صَوبِي فَ علِمتِ أنذَاك أننِي أستطِيعُ الدفَاع عَن نفسِي .. لكننِي لَم أفعَل.
« هَذا يكفِي .. ».
سمِعتُ صَوتَ مَن يُجاورُ نِيُو يُحادِثُ بِيلِين والرجُل الآخر الذِّي كَان يقِفُ جَانبًا دُون إكترَاثٍ لمَا يَحدُث.
« لكِّنهُ لَم يفقِد وعَيهُ يَا يُوجِين ! ».
نَطقَ بِيلِين مُوجهًا حَديثهُ لمَن كَلَّمهُ فَ جابههُ الآخرِ بسخطٍ مُردفًا : « لسنَا بحَاجةٍ لِذلك، يكفِي مَا فعلتُه .. ».
أوقفَ صَوته تَردُدَاتِ صفَّارَاتِ الشُرطةِ التِّي جَعلت مِن شتَائمِهم تنسَابُ قَبلَ أَن يسلِبهُم الخَوف مِن البُقعةِ التِّي جمعتنَا ويَركضُوا هربًا مِنهُم.
فَ وَجدتُنِي أستَلقِي عَلى ظَهرِي وأتنَفسُ الصُعدَاءَ ببعضٍ مِن الألمِ الذِّي لَفح أجزَائِي دُون إكترَاثٍ مَا إذ كَانت الشُرطةُ قَادمةً أَم لَا ..
لكِّن حَدقتيَّ إرتفَعت بإستغرَابٍ عندمَا
لَحظتُ أركتُورُوس يَركُض نحوِي وفِي يَدهِ هَاتفهُ الذِّي يُصدرُ صَوتَ صَفَاراتِ الشُرطةِ بينمَا عَينيهُ تُحدِّجُنِي بإستيَاءٍ سَكبهُ عِبرَ ثغرهِ : « لَقد تَأخرت ! ».
« مَا الذِّي تَفعلهُ هُنَا ؟ ».
نَطقتُ أستقِيمُ بجِذعِي عَن الأرضِ
مُتجاهلًا ألَمِي فَ جَابهنِي بكلمَاتهِ التِّي جَعلتنِي مُتقينًا أنهُ لَا يَتغير مهمَا حَدث : « أنَا صدِيقُكَ
يَا وغِد ! ».
« لَستَ صدِيقِي أو أيًا يَكُن .. ».
نَطقتُ أدفعهُ مِن قُربِي حِينَ حَاولَ مُساعدتِي فِي الوقُوفِ ليَبقى فِي بُقعتهِ ويُراقبنِي أعتدِلُ بوقوفِي.
« لَستُ مُكترثًا بالهُراءِ الذِّي تتحدَّثُ بهِ .. ».
« تَوقف أركتُورُوس ! هَل أنتَ غبِي ؟
أ لَا تَفهَمُ أننِي لَستُ راغبًا فِي وجُودكَ
معِي ؟ ».
قَاطعتهُ سُخريتهُ بإنفعَالٍ طفِيفٍ أوقفهُ عَن مُتابعةِ الحَدِيث لتنسَاب حرُوفِي مُجددًا : « مِن السخِيف إعتقَادُكَ أننِي صدِيقُكَ لمُجردِ بقَائنَا معًا .. ».
كَاذبٌ يَا أُورِين، أنتَ مُجردُ سَافلٍ يَكذِبُ فِي مَا قِيل خوفًا مِن أَن يَتأذى ببقَائهِ مَعك.
أنتَ تُريدُ وجُودهُ بجوَاركَ لأنهُ صدِيقكَ الأوَّل لكِّنكَ قلقٌ مِن كُل شَيء.
قَبضتُ عَلى يَدِي حِينَ وَجدتُه يرمُقنِي بجمُودٍ
كمَا فَعل سَابقًا فَ دَحرجتُ بصيرتِي بعيدًا عَنهُ ثُمَّ بخُطواتِي تَرغبُ فِي أخذِي بعيدًا عَن هَذهِ البُقعة.
« هَذا الوغِدُ هُو الفَاعِلُ إذًا ! لَقد أخبرتُكَ أنهُ لَا وجُودَ للشُرطةِ فِي مكانٍ مجهُولٍ يَا يُوجِين .. ».
توَّقفت حَركتِي وتجمَّدت أطرَافِي قَبل أَن ألتَفتَ بَرأسِي إلَى الخَلفِ وأجِدُ مِن بِيلِين يَتقدَّم صَوب أركتُورس وَيرفعُ بِيدهِ ثُمَّ بِصفعةٍ قوِيةٍ تَضربُ وجنتهُ وتجعَل مِن ثبَاتهِ يَتزعزع حتَّى ترنحَ وحَاولَ الوقُوفَ بالإستنَاد عَلى يَدهِ مِن الحَائطِ الموجودِ خَلفهُ.
« يَدُكَ ضعِيفة ! ».
نَطقَ أركتُورُوس بسُخريةٍ يُجابِه مَن أمَامهُ يَرفعُ طَرفَ أنَاملهُ ليَمسحَ الدِماء التِّي لَفحت شِفتهُ ليُعِيدَ الآخرُ ضَربهُ رُغمًا عَن رَدعِ يُوجِين لهُ : « تَوقف بِيلِين، لَقد إنتهَى عَملُنَا ! ».
« أعلَمُ ذَلك جيدًا
يَا يُوجِين، لكِّنهُ يُثيرُ
إستفزَازِي ! ».
جَابههُ بِيلِين بسخطٍ وَاضحٍ ليَنطِقَ الرجُل الهَادئ مِن بَينهِم : « لَسنَا فِي حالةٍ تسمحُ لنَا بالدخُولِ فِي مُشكلةٍ جَدِيدة مَع الشُرطة .. ».
« لتُغلق ثَغركَ برَايدن ! ».
صرَخَ بِيلِين مُجددًا قَبل أَن يرَفعَ قَبضتهُ رغبةً فِي ضرَبِ أركتُورُوس الذِّي غَطا وجههُ بذراعيهِ لحمَايةِ نَفسهُ مِنهُ.
لَم أعلَم أنذَاك كَيفَ تحرَّكت أقدَامِي
ركضًا صَوبهُ وبِيدِي تُقبضُ فِي لكمةٍ وُجهِت
عَلى وجنتهِ حتَّى إندَفعَ إلَى الخَلفِ وسَقطَ
أرضًا ..
« لَقد إنتهَى مَا بيننَا نِيُو وأصبحنَا مُتعادلِين، خُذ أتبَاعكَ وإرحَل ! ».
أردَفتُ بسخطٍ أوجه حَدِيثي للأشقرِ بينمَا حَدقتيَّ عُلِّقت بيُوجِين الذِّي عَقدَ ذراعيهُ لصَدرهِ وطَالعنَا بهدُوءٍ مُزعِج.
دَحرجتُ عَينيَّ نَحو نِيُو
الذِّي جَابهنِي بتهَازؤ : « لتكُن
حذرًا فِي المَرةِ القَادمة
أُورِين ! ».
هذَا الوغِد .. لَا أفهَمُ مَا العُقدُ
التِّي تدُور فِي رَأسهِ حتَّى يَسكُبهَا
عَلى شخصٍ لَم يكُن لهُ أيُّ رابطٍ
بهِ بإستثنَاءِ شِجارنَا.
« أيهَا السَّافِل ! ».
شَعرتُ بلَكمةٍ قوِية تُصِيبُ وجهِي بينمَا صوتُ بِيلِين خَرج بصخبٍ أعَادنِي لفعلتِي التِّي جعلتنِي مُتأكدًا مِن وقُوعِي فِي مُشكلةٍ أُخرى.
« هَل أنتَ بِخير ؟ ».
نَطقَ أركتُورُوس الذِّي أمسَكنِي قَبل سقُوطِي فَ وجدتُنِي ألتَفِتُ صَوبَ يُوجِين الذِّي حَادث مَن
بَات الغَضب يفِيضُ مِنه : « لنَرحل بِيلِين! انتهَى
عملنَا اليوم .. ».
« لتَذهب أنتَ وبرَايدِن لأننِي
لَن أتركُ هَؤلَاء الأوغَاد ! ».
« لنُنهِي الأمرَ بِسرعة حتَّى نَرحل ».
جَابهَ بِيلِين برَايدن الذِّي تقدَّم نحونَا بغَيرِ إكترَاثٍ
لألتَفت إلَى مَن يُجاورهُ ويَسُيرُ صَوبنَا مُجددًا بينمَا قبضتهُ موجهةً لِي فَ وجدتُنِي أدفعُ أركتُورُوس مِن جَانبِي لخَلفِي وأتركُ مِن ضربتهِ تأخُذ مكانهِ فِي جَسدِي ..
« أيهَا الأوغَاد ! ».
صَرخَ أركتُورُوس يَدفعُنِي ويَرفع مِن
قبضتهِ لاكمًا كُلًا مِن بِيلِين ثُمَّ برَايدن
الذِّي حَاول توجِيه ضربتهُ لهُ ..
م-مهلاً، لَا يجُب أَن يَفعل ذَلك، هذَا
سَيء.
« ت-توَقف أركتُورُوس .. ».
نَطقَتُ أُحاوِل إبعَادهُ عَن الوَرطةِ التِّي
قَد يَقعُ فِيهَا لكِّن كلمَاتِي تَلاشت حِينَ
إندفَعَ جَسدهُ مِن الخَلفِي نحوِي إثرَ
ضربةٍ تَلقاها مِن برَايدنِ حتَّى سَقطنَا
عَلى الأَرض.
« حَشراتٌ صغِيرة، غبِية، وقحة، وغِدة ! ».
لَم أعِي فِعلتِي لكِّنني فَقط دَفعتُ أركتُورُوس
مُجددًا خَلفِي وتركتُ مِن جِذعِي يتخِّذُ بقعتهُ فَوقهُ حتَّى بَات جَسدِي درعَ حِمايةٍ يتَلقى ركَلاتهُم دُون إكتراثٍ للألمِ الذِّي شَعرتُ بأنهُ يخترِقُ بَدنِي ويُهشِّم عِظامِي.
« هَذا يكفِي بِيلِين وبرَايدن .. ».
نَطقَ يُوجِين يُوقفُ كليهُمَا ويُبعدهُمَا عنِّي
فَ بِتُّ ثَابتًا فِي بُقعتِي رُغمَ إرتجَاف ذراعيَّ الذَّان أستنِد عليهمَا لجعلِ كَ درعِ حمايةٍ مِن أجلِ أركتُورُوس الذِّي يُحدِّجُنِي بعَينينِ جَاحظةً تَسللهَا الخوفُ بجوارِ القَلقِ مِن حَالِي ..
شَعرتُ بركلةٍ أخِيرة تَضرِبُ خَاصرتِي قَبل أَن يَسحبُوا أنفُسهَم ويرحلُوا مِن بُقعتنَا لأترُكَ مِن جَسدِي يتهَاوى أرضًا وَيسقُط ..
« أُورِين ! ».
سَمعتُ صوتَ أركتُورُوس يُنادِيني
لتعتلِي شِفتيَّ ابتسَامةٌ رُغمًا عَن طعمِ الدِماء الذِّي بَصقتُ مِن ثغرِي حَال سَعالِي أردِف : « أَنا بِخير .. ».
« لكِّنك .. ».
« هَل تَأذيت ؟ ».
سَألتُه ليُجابهنِي بصخبٍ يَشبههُ
: « أ تَسألُنِي فِي حِينِ أنكَ مُلوثٌ
بالدمَاءِ والجرَاحِ و تكَادُ تفقِدُ
وعيكَ يَا وغِد ! ».
« يَبدُو أنكَ بِخير .. ».
تَمتَمتُ أُغلِّقُ عَينيَّ ببعضٍ مِن الألَمِ قبَل أَن يُلقِي بسؤالهِ مُنفعلًا : « لِماذا حَاولت حِمايتيِ !! ».
« لأنَّك صَدِيقي، صدِيقي الأوَّلُ والوحِيد ».